{["سيئ", "ممل", "يحتاج المزيد من التفاصيل", "رائع"]}

عزيزي المسلم المتدين، هل تعتقد أنك وحدك المؤمن الموحّد في هذا الكون؟ وأنك وحدك القادر على التقرب لله تعالى؟ إذن ربما تكون هذه الكلمات غير مناسبة لك.

جلستُ أستمع إلى السيدة فيروز في إحدى الترانيم المسيحية الرائعة، وهي معروفةُ لدى المسيحيين باسم "عذراء يا أم الإله"، وجدت فيها روحانية لم أجدها إلا في القرآن وفي بعض التواشيح الإسلامية.

عذراء يا أم الإله يا طاهرة نقـــــــية
صلّي إلى ابنك الإله وحننيه علّيـــــا
أنتِ الميناء للخلاص وفرحُ البشرية
الأرفع من السماء اللامعة البهـــــية
لا تهمليني في الحياة أن أغرق في خطية
بل أدركيني في النجاة وتحنني عليا
أجثو لديكِ ضارعاً يا هيكل القدسية
نجيني يا عذراء من شروري الردية
صوت تضرعي اسمعي من نفسي الشقية
تقبلي مني النشيد واللحن ذا الشجيّ
ألح في التضرع فاقبليني نـــــــــجياً
واهديني من بعد الممات حياة أبدية
 افرحي يا عروساً لا عروس لهــــا


لكني وجدت من ينغص عليّ استمتاعي بالأنشودة المسيحية الرائعة، لأن فيها "شرك بالله"!! وأننا "المسلمون" لا يجب أن نستمع لهذا الشرك الصريح !! نزلتُ من السماء التي كنت أحلق فيها، لأجيب صديقي المتدين.

إن الله الخالق العظيم، وهو السر الأعظم في الكون، وفيه تجتمع قيم العدالة والحرية والخير والمحبة والسلام، الله في حياتنا وفي وعينا قيمة عظيمة وفكرة خالدة، منها تنبع كل قيم الخير، ولكي يدرك الإنسان هذا الخالق العظيم، فإن الأمر ليس محصوراً في دين بعينه، ولا في كلمات مقدسة بذاتها، إن الله يُدرك بفعل الخير والإحساس  بالناس والتأمل والتفكر، ومحاولة فهم الحياة وسر الوجود وغايته، كل هذا في حقيقته صلاةٌ شفافة راقية.

إن مقطوعة موسيقية لبيتهوفن تسمعها، أو أنشودة سلام ومحبة، أو تواشيح دينية، أو تأملات اليوجا الهندية، كل ما يغرس في قلبك قيم الخير والمحبة والسلام، ويزيد من إحساسك بالإنسان ومحبتك وعطفك على الغير، كلها تسابيح وصلوات في محراب الخلق والخالق. ولم تقتصر حكمة الإنسانية وسموّه على معبدٍ بعينة ولا على كلمات كتاب مقدس بذاته، وإنما على قدرة الإنسان على التسامي والتأمل، وبهذا يُدرك الله ويُعبد، لا بحركات الصلاة فقط ولا بكلمات القرآن أو غيره، فهي بدون وعي الإنسان تبقى مجرد حركات جسد ورسومات أحرف بحبر على ورق.

يؤمن المسيحيون بأن الله له ثلاث أقانيم أو ثلاث تجليات، وهي في جوهرها تمثل إيمان المسلمين بالله وملائكته ورسله بشكل أو بآخر، وتمثل تجلي الله تعالى في خلقه وفي ملائكته، وأن الله خلقنا وأبدعنا على صورة من صوره الجميلة كما ذهب بعض الصوفية، وكما هو وارد في الحديث عن أبي هريرة "خلق الله عز وجل آدم على صورته *".

ويا عزيزي المسلم المتدين، لماذا أوجعتك كلمات (يا أم الإله) و(صلي إلى ابنك الإله)؟ ألا تعلم أن القرآن مليء بالتصاوير الفنية والجمالية؟ وأنه لا ينبغي تفسير الكلمات بشكل حرفيّ مباشر، هل تعتقد أنك وحدك المؤمن الموحّد؟ قطعاً لا.. لكن لكل عقيدة إيمانها وطريقتها في تصور الله وسبل الوصول إليه، عندما يؤمن المسيحي بعقيدة التثليث فإنه يؤمن أيضاً بوحدة الإله، لكنه يعتقد أن الله تجلى بشكل أو بآخر في عبده عيسى، وهذا لا ينكره القرآن، ألم تتجلى صفات الإله الخالق في عيسى "أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فتكون طيراً بإذن الله. وأبريء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله **"، بلى قد تجلت صفات الخالق في النبيّ عيسى، ونفخ الله من روحه في مريم فكان، وبهذا يؤمن المسيحيون، ويؤمنون أننا جميعاً خلق الله وعياله؟ وفي ذلك كله تصورات ومقاربات لا ينبغي أن يحكم بها إنسان على عقيدة آخر.



ما أود أن أقوله هو أن ينفض المسلمون عن أنفسهم فكرة احتكار الحقيقة، واحتكار الإيمان والتوحيد، واحتكار الله بكل صوره، إن الخالق الحق ليس ملكاً لأحد، وليس حصراً على كتاب مقدس ولا على صلاة بعينها، وإنما يُدرك الله بالخير والمحبة والإحسان إلى الناس، وكل صور التسامي والتأمل، سواءً في أنشودة جميلة أو مقطوعة موسيقية أو حفلٍ خيريّ أو كتاب علم، في معبد أو في معمل أو في حديقة غنـّــاء، علينا كمسلمين أن نغير فكرة (مؤمن أو كافر)، وأن نفتح عقولنا وقلوبنا لتقبل واحتضان أي عقيدة تعمل على زرع الخير والمحبة والسلام في النفوس.

وأترككم مع كلمات ابن عربي تلخص الأمر كله..

لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُــــــورةٍ
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــانِ
وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــــــبةُ طـائـــفٍ
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـــــتْ
ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَـــــاني


هشام عبد الفتاح الأديب

------------------------------------------------------------------------------------------------
* رواه البخاري "الحديث 6227" ومسلم "الحديث 2841" عن أبي هريرة، ورواه مسلم مكرراً بلفظ آخر "الحديث 2612".
** آل عمران، الآية 49. وورد نفس المعنى في سورة المائدة الآية 110 بلفظ مختلف. وهي آيات تنسب من صفات الخالق التي منحها لعبده عيسى، ومنها صفات الخلق "تخلق من الطين" والتصوير "كهيئة الطير" ونفخ الروح "فتنفخ فيها" والشفاء "وتبريء الأكمه والأبرص" وإحياء الموتى "تخرج الموتى بإذني"، وهي من تجليات صفات الخالق على عبده ورسوله عيسى.
  

المسيح، عيسى ابن مريم، المسيحية، الشرك بالله، فيروز، عذراء يا أم الإله، تراتيل الجمعة العظيمة، الإيمان، الكفر، تجديد الفكر الديني، الفكر الإسلامي، جمال البنا، عدنان إبراهيم