{["سيئ", "ممل", "يحتاج المزيد من التفاصيل", "رائع"]}

(1)
على طول التاريخ الانساني "المعروف" كانت السيادة للرجل في المجتمع وله الغلبة، المجتمعات القديمة كلها كانت ذكورية بالأساس فيما عدا بعض المراحل في حضارات أمريكا اللاتينية والهند وأفريقيا، والتي تميزت بالسيادة والسيطرة الانثوية لفترات من الزمن.

المصريون القدماء كرّموا الانثى وجعلوها آلهة حاكمة قوية، الإلهة إيزيس كانت العظيمة إلهة المعرفة، الإلهة ماعت كانت ربة الحقيقة، والإلهة نايت إلهة الحرب والفيضان، وسخمت وحتحور وغيرها من الآلهة الإناث كثيرات، المصريون القدماء جعلوا المرأة عماد المنزل الصالح، أدركوا ان الانثى هي الاصل وهي مصدر الرحمة وصوروها على انها اصل الحياة، وكثيراً ماتقدمت الأنثى عن الرجل في تماثيل المصريين القدماء، وكانت تحتضن الرجل وتحوطه بذراعها وتحنو عليه كإشارة على الاحتواء والعطف وأحياناً السيادة.

الحضارات الفينيقية والسومرية قدست آلهة إناثاً وذكوراً، ومنهم أخذ العرب آلهتهم في الجاهلية كاللات ومناة والعزى، وكلها "إناث"، وكانت محل توقير وتعظيم وعبادة. تصوّر الرجل قديماً قدرة المرأة على الحمل والخلق والولادة على أنها قدرة معجزة على خلق الحياة -وهي كذلك-، وأصبحت المرأة في نظر الرجل القديم هي خالقة الحياة وسر من أسرار الوجود، حتى عُبدت المرأة وعُبد جسمها في العديد من التجمعات البشرية الضاربة في القدم.


عشتار إلهة الجمال والحب والحرب
سيدة السماء عند شعوب بابل القديمة
ويقابلها انانا في الحضارة السومرية
وأفروديت عند اليونان
"سيدة الآلهة كانت غالباً أنثى لدى الحضارات القديمة"
(2)
على الرغم من التقديس والتوقير الأصيل للأنثى، إلا أن التاريخ البشري "المعروف" تاريخ ذكوري بامتياز، السلطة الأبوية الذكورية المطلقة تسود معظم أشكال الحضارة المعروفة لنا خلال ما يقرب من 60 قرن مضت. لكني لا أعتقد ان هذا التميز الذكوري يرجع الى مزايا خلقية لدى الذكر دون الانثى، لكن السيادة كانت دائما في المجتمعات قائمة على "القوة"، القوة الذكورية الأبوية البطريركية الرأسمالية، سيادة الغنيّ على الفقير والحاكم على المحكوم والقويّ على الضعيف، هي سمة التجمعات الحياتية الارضية في التاريخ المعروف.

ولأن الرجل ميال بطبعه الى العنف والسيطرة واستعراض "القوة" بعكس الأنثى الحالمة العاطفية جياشة المشاعر التي لا تميل غالبا الى العنف، وبحكم طبيعة الانثى شديدة الارتباط باطفالها، وطبيعة الرجل المحبة للترحال والتحرر من القيد، ازداد الذكر قوة بخروجه الى الكسب وتحرره من رعاية الاطفال، بينما في مجتمع تقليدي تزداد الانثى ضعفاً بارتباطها الفطري النفسي بأطفالها وتحولهم الى عبء يزيدها ضعفاً وحاجة الى الذكر الذي ينفق عليها وعلى أطفالها، ومن هنا نشأت سيطرة الذكر في المجتمعات القديمة وحتى الآن، لا بسبب منشأ عضوي يميزه عن الانثى بذكاء او فطنة، وانما بسبب تصريفات الحياة وعمل السلطة دائماً على تكريس التفوق الذكوري في مقابل خنوع الأنثى.
وتكرست سيطرة الذكر المسيطر عبر الأزمنة، حتى تطرّف الذكر الحاكم المسيطر في تقدير قوته وسطوته، وتطرفت الانثى في احتقار قوتها وملكاتها.

وفي مجتمع بهذا الشكل التراتبي الطبقي، يتاح للذكر منذ البلوغ اكتساب العلوم والمعارف والمهارات، بينما تنحصر مهمة الانثى في إعدادها لمستقبلها الحتميّ في الخدمة والرعاية داخل المنزل، الأمر الذي كرسته المرأة بقبولها لوضعها المجحف طوال التاريخ؛ لا عن ضعف وإنما بدافع المسئولية والرحمة التي تنبع أصلاً منها، والتي استخدمها الذكر باقتدار لترويضها والسيطرة عليها.

تقادم العهود ومرور الأزمنة تحت السيطرة الذكورية كانت تبعاته الحتمية تكريس مزيد من القوة والمنعة والمهارة للذكر القوي، وتكريس مزيد من الاستكانة والضعف والذل للانثى لميلها الفطريّ إلى السلام والمهادنة واللاعنف.


الحجاب بأشكاله هو مجرد رمز وتجسيد
لسيطرة الذكر وسيادته على الأنثى المقهورة

(3)
الأديان الإبراهيمية في نسخها المعروفة لنا "اليهودية، المسيحية، والإسلام" كانت ربما ثورة في بعض النواحي، إلا أنها لم تخرج عن إطار الذكورية وتمجيد الذكر، الدين الإسلامي كان مختلفاً عن سابقيه، وجه خطاباً صريحاً للمرأة غير مسبوق في التوراه أو الإنجيل، يخاطب المرأة مباشرة "المؤمنون والمؤمنات / الطيبون والطيبات".

على الرغم من ذلك إلا أن اللهجة الذكورية ظلت سائدة بامتياز، مهما حاولنا التأويل وإعادة النظر، القرآن يجعل القوامة للرجل، ويبيح له ضرب زوجته، ويبيح له التمتع بما "طاب" له من النساء مثنى وثلاث ورباع، يخاطب النساء "وقرن في بيوتكن، ويأمرهن بالتواصل "من وراء حجاب"، ويضيّق عليهن "ولا يبدين زينتهن"، ويكون النبيّ صريحاً جداً بالتعبير عن مكنوناته "ناقصات عقل ودين"، وحتى عندما يحاول تكريم المرأة والحرص عليها يصف النساء بـ "القوارير" الضعيفات أو "عوان عندكم" أي أسيرات لدى الرجال.

على أن هذا الفكر لا يعدو أن يكون نابعاً من ظروف البيئة المحيطة، بل ومحاولاً تخطيّ العديد من قيود المجتمع التي ربما لم تكن تسمح بأكثر من ذلك، نقول ربما، لأن النساء كنّ على قدرِ جيد من التقدير والاحترام في الجاهلية، ولم يكن من المسموح للرجل أن يتعدد في الزواج من سيدات القبيلة كخديجة بنت خويلد التي لم يتزوج عليها الرسول محمد طيلة حياتها، وكهند بنت عتبة التي لم يتزوج عليها أبو سفيان، وكفاطمة بنت محمد التي رفض أن يسمح لزوجها عليّ بالزواج من أخرى وهي حية !!

عموماً، لم تخرج الأديان الإبراهيمية من دائرة الذكورية، وربما ساهمت في تكريس بعض جوانبها أحياناً.

(4)
هذا الإرث التاريخي الثقيل، لا شك يضني المرأة العربية، ويحملها الكثير من الإحساس بالدونية والضعف المستمر، إنها قارورة سهلة الكسر، إنها أسيرة لدى زوجها الذي عليه أن يكرمها!! ولا مانع من أن يضربها ضرباً غير مبرح !! عليها ألا تتزين وألا تتعطر، وأن تعلم أن الله كرمها بأن جعلها ناقصة عقل ودين حتى يحنو عليها الرجل.
هذا الإرث يثقل كاهل كل امرأة عربية، وعليها أن تتحرر منه..
عليها أن تعيد اكتشاف قدراتها..
أن تثق في قوتها وصلابتها التي تفوق الرجال..
وأنها الأصل، أصل الحياة، وأصل الخير، وأصل الرحمة..
لم يتفوق الرجل يوماً لأنه الأفضل، بل لأنه عرف كيف يبسط سيطرته وسطوته وأن يطوّر مهاراته ويصقلها، ثم استطاع أن يقنع امرأة ما بأنه الأفضل، فأقنعت هي أطفالها بذلك، وكانت تلك أبشع أخطائها، الخطيئة الحقيقية التي حرمت العالم من حنان وتفوق الأنثى، لصالح الذكر السيد المسيطر.

كوني أيتها المرأة كما جعلتك الطبيعة، عظيمة حنونة، لست أقل من الذكر بل هو ذلك المتغطرس لا يأتِ إلى الحياة إلا من خلال جسدك، اختار الخالق أن يضع معجزته الكبرى في ذلك الجسد، معجزة الخلق.
كوني ملكة، وعلمي أطفالك أن الأنثى ملكة، وأن الأنثى هي الأصل.