Related Posts with thumbnails for bloggerEfadaBlog

(1)
على طول التاريخ الانساني "المعروف" كانت السيادة للرجل في المجتمع وله الغلبة، المجتمعات القديمة كلها كانت ذكورية بالأساس فيما عدا بعض المراحل في حضارات أمريكا اللاتينية والهند وأفريقيا، والتي تميزت بالسيادة والسيطرة الانثوية لفترات من الزمن.

المصريون القدماء كرّموا الانثى وجعلوها آلهة حاكمة قوية، الإلهة إيزيس كانت العظيمة إلهة المعرفة، الإلهة ماعت كانت ربة الحقيقة، والإلهة نايت إلهة الحرب والفيضان، وسخمت وحتحور وغيرها من الآلهة الإناث كثيرات، المصريون القدماء جعلوا المرأة عماد المنزل الصالح، أدركوا ان الانثى هي الاصل وهي مصدر الرحمة وصوروها على انها اصل الحياة، وكثيراً ماتقدمت الأنثى عن الرجل في تماثيل المصريين القدماء، وكانت تحتضن الرجل وتحوطه بذراعها وتحنو عليه كإشارة على الاحتواء والعطف وأحياناً السيادة.

الحضارات الفينيقية والسومرية قدست آلهة إناثاً وذكوراً، ومنهم أخذ العرب آلهتهم في الجاهلية كاللات ومناة والعزى، وكلها "إناث"، وكانت محل توقير وتعظيم وعبادة. تصوّر الرجل قديماً قدرة المرأة على الحمل والخلق والولادة على أنها قدرة معجزة على خلق الحياة -وهي كذلك-، وأصبحت المرأة في نظر الرجل القديم هي خالقة الحياة وسر من أسرار الوجود، حتى عُبدت المرأة وعُبد جسمها في العديد من التجمعات البشرية الضاربة في القدم.


عشتار إلهة الجمال والحب والحرب
سيدة السماء عند شعوب بابل القديمة
ويقابلها انانا في الحضارة السومرية
وأفروديت عند اليونان
"سيدة الآلهة كانت غالباً أنثى لدى الحضارات القديمة"
(2)
على الرغم من التقديس والتوقير الأصيل للأنثى، إلا أن التاريخ البشري "المعروف" تاريخ ذكوري بامتياز، السلطة الأبوية الذكورية المطلقة تسود معظم أشكال الحضارة المعروفة لنا خلال ما يقرب من 60 قرن مضت. لكني لا أعتقد ان هذا التميز الذكوري يرجع الى مزايا خلقية لدى الذكر دون الانثى، لكن السيادة كانت دائما في المجتمعات قائمة على "القوة"، القوة الذكورية الأبوية البطريركية الرأسمالية، سيادة الغنيّ على الفقير والحاكم على المحكوم والقويّ على الضعيف، هي سمة التجمعات الحياتية الارضية في التاريخ المعروف.

ولأن الرجل ميال بطبعه الى العنف والسيطرة واستعراض "القوة" بعكس الأنثى الحالمة العاطفية جياشة المشاعر التي لا تميل غالبا الى العنف، وبحكم طبيعة الانثى شديدة الارتباط باطفالها، وطبيعة الرجل المحبة للترحال والتحرر من القيد، ازداد الذكر قوة بخروجه الى الكسب وتحرره من رعاية الاطفال، بينما في مجتمع تقليدي تزداد الانثى ضعفاً بارتباطها الفطري النفسي بأطفالها وتحولهم الى عبء يزيدها ضعفاً وحاجة الى الذكر الذي ينفق عليها وعلى أطفالها، ومن هنا نشأت سيطرة الذكر في المجتمعات القديمة وحتى الآن، لا بسبب منشأ عضوي يميزه عن الانثى بذكاء او فطنة، وانما بسبب تصريفات الحياة وعمل السلطة دائماً على تكريس التفوق الذكوري في مقابل خنوع الأنثى.
وتكرست سيطرة الذكر المسيطر عبر الأزمنة، حتى تطرّف الذكر الحاكم المسيطر في تقدير قوته وسطوته، وتطرفت الانثى في احتقار قوتها وملكاتها.

وفي مجتمع بهذا الشكل التراتبي الطبقي، يتاح للذكر منذ البلوغ اكتساب العلوم والمعارف والمهارات، بينما تنحصر مهمة الانثى في إعدادها لمستقبلها الحتميّ في الخدمة والرعاية داخل المنزل، الأمر الذي كرسته المرأة بقبولها لوضعها المجحف طوال التاريخ؛ لا عن ضعف وإنما بدافع المسئولية والرحمة التي تنبع أصلاً منها، والتي استخدمها الذكر باقتدار لترويضها والسيطرة عليها.

تقادم العهود ومرور الأزمنة تحت السيطرة الذكورية كانت تبعاته الحتمية تكريس مزيد من القوة والمنعة والمهارة للذكر القوي، وتكريس مزيد من الاستكانة والضعف والذل للانثى لميلها الفطريّ إلى السلام والمهادنة واللاعنف.


الحجاب بأشكاله هو مجرد رمز وتجسيد
لسيطرة الذكر وسيادته على الأنثى المقهورة

(3)
الأديان الإبراهيمية في نسخها المعروفة لنا "اليهودية، المسيحية، والإسلام" كانت ربما ثورة في بعض النواحي، إلا أنها لم تخرج عن إطار الذكورية وتمجيد الذكر، الدين الإسلامي كان مختلفاً عن سابقيه، وجه خطاباً صريحاً للمرأة غير مسبوق في التوراه أو الإنجيل، يخاطب المرأة مباشرة "المؤمنون والمؤمنات / الطيبون والطيبات".

على الرغم من ذلك إلا أن اللهجة الذكورية ظلت سائدة بامتياز، مهما حاولنا التأويل وإعادة النظر، القرآن يجعل القوامة للرجل، ويبيح له ضرب زوجته، ويبيح له التمتع بما "طاب" له من النساء مثنى وثلاث ورباع، يخاطب النساء "وقرن في بيوتكن، ويأمرهن بالتواصل "من وراء حجاب"، ويضيّق عليهن "ولا يبدين زينتهن"، ويكون النبيّ صريحاً جداً بالتعبير عن مكنوناته "ناقصات عقل ودين"، وحتى عندما يحاول تكريم المرأة والحرص عليها يصف النساء بـ "القوارير" الضعيفات أو "عوان عندكم" أي أسيرات لدى الرجال.

على أن هذا الفكر لا يعدو أن يكون نابعاً من ظروف البيئة المحيطة، بل ومحاولاً تخطيّ العديد من قيود المجتمع التي ربما لم تكن تسمح بأكثر من ذلك، نقول ربما، لأن النساء كنّ على قدرِ جيد من التقدير والاحترام في الجاهلية، ولم يكن من المسموح للرجل أن يتعدد في الزواج من سيدات القبيلة كخديجة بنت خويلد التي لم يتزوج عليها الرسول محمد طيلة حياتها، وكهند بنت عتبة التي لم يتزوج عليها أبو سفيان، وكفاطمة بنت محمد التي رفض أن يسمح لزوجها عليّ بالزواج من أخرى وهي حية !!

عموماً، لم تخرج الأديان الإبراهيمية من دائرة الذكورية، وربما ساهمت في تكريس بعض جوانبها أحياناً.

(4)
هذا الإرث التاريخي الثقيل، لا شك يضني المرأة العربية، ويحملها الكثير من الإحساس بالدونية والضعف المستمر، إنها قارورة سهلة الكسر، إنها أسيرة لدى زوجها الذي عليه أن يكرمها!! ولا مانع من أن يضربها ضرباً غير مبرح !! عليها ألا تتزين وألا تتعطر، وأن تعلم أن الله كرمها بأن جعلها ناقصة عقل ودين حتى يحنو عليها الرجل.
هذا الإرث يثقل كاهل كل امرأة عربية، وعليها أن تتحرر منه..
عليها أن تعيد اكتشاف قدراتها..
أن تثق في قوتها وصلابتها التي تفوق الرجال..
وأنها الأصل، أصل الحياة، وأصل الخير، وأصل الرحمة..
لم يتفوق الرجل يوماً لأنه الأفضل، بل لأنه عرف كيف يبسط سيطرته وسطوته وأن يطوّر مهاراته ويصقلها، ثم استطاع أن يقنع امرأة ما بأنه الأفضل، فأقنعت هي أطفالها بذلك، وكانت تلك أبشع أخطائها، الخطيئة الحقيقية التي حرمت العالم من حنان وتفوق الأنثى، لصالح الذكر السيد المسيطر.

كوني أيتها المرأة كما جعلتك الطبيعة، عظيمة حنونة، لست أقل من الذكر بل هو ذلك المتغطرس لا يأتِ إلى الحياة إلا من خلال جسدك، اختار الخالق أن يضع معجزته الكبرى في ذلك الجسد، معجزة الخلق.
كوني ملكة، وعلمي أطفالك أن الأنثى ملكة، وأن الأنثى هي الأصل.
أكمل القراءة



منذ حوالي ١١ سنة من اليوم أنتجت هيئة الاذاعة البريطانية BBC فيلماً وثائقياً تحت اسم "سفينة نوح"*، حاول الفيلم البحث عن القصة الحقيقية لطوفان نوح والدلائل التاريخية والجيولوجية للقصة بعيداً عن الاعتماد الكامل على القصص الدينية المتوارثة المعروفة.

هذا ماحدث في عالم موازي إذن منذ حوالي ١١ سنة او أكثر من اليوم، الفيلم تم عرضه على قناة BBC الوثائقية واشترته عدة محطات أخرى للعرض على شاشاتها دون أدنى مشكلة، الغريب ان الفيلم في مجمله يقوم أصلاً على التشكيك في القصة اللاهوتية عن طوفان نوح، القصة التي وردت في التوراة ثم الانجيل ثم نسخت كما هي في القرآن أيضاً.

يطرح الفيلم العديد من التساؤلات العلمية عن القصة، تساؤلات تشكك في صحة هذه القصة الاسطورية، تساؤلات عن طبيعة الطوفان الذي أغرق الأرض ومتى حدث ولماذا لا يحدثنا التاريخ الجيولوجي للأرض عن مثل  هذا الطوفان.

كيف يمكن بناء قارب شديد الضخامة لحمل الاف الحيوانات بالامكانات البدائية المتاحة منذ مايزيد عن ٥٠٠٠ سنة ماضية، كيف يمكن أصلاً حمل اكثر من ٣٠ مليون نوع حي من الحيوانات والطيور والحشرات على مركب واحد أياً كان حجمه، سيحتاج الامر الى ٣٠ سنة على الأقل لحمل هذا التنوع الحيواني الهائل الموجود على الارض! تساؤلات بسيطة لكن يبدو ان الكتب المقدسة لم تهتم كثيراً للأرقام !

يشير الفيلم إلى أن كمية الماء في الارض في كل المحيطات والبحار والأنهار وعلى قمم الجبال الثلجية لا يمكن أن تؤدي إلى طوفان يغرق كل الكائنات الحية على الارض في وقت واحد، ولو أن الطوفان قد حدث عن طريق فيضان المياه كالبراكين من باطن الارض فيتسبب ذلك في موت كل البشر بفعل الغازات السامة وستسبب الرطوبة اختناقاً لجميع الاحياء على الارض !!

يذكر الانجيل اسم جبل هو  (ارادات) في تركيا على أنه الجبل الذي رست عليه السفينة، لكن عشرات الدراسات والابحاث حاولت الوصول الى دليل، اي دليل او مؤشر لسفينة او طوفان او اي اثر على هذا الجبل، و كانت النتائج دائماً لا شيء، القرآن يذكر جبل الجوديّ ولا توجد اي دلائل ايضا !

عام ١٩٣١ اكتشف احد العلماء (Leonard Woolley) حدوث فيضان نهري في العراق منذ حوالي ٥٠٠٠ سنة، وهو فيضان نهري اكبر من الاعتيادي لكنه لم يتعد مساحة العراق ولم يغرق العالم بالطبع! ويبدو ان القصص السومرية خلدت ذكرى الفيضان الكبير في آدابها فنجد قصة نوح مروية في الواح السومريين واساطيرهم من بين تفاصيل ملحمة جلجامش الرائعة ومع بعض المبالغات، ويرد فيها ذكر الطوفان بالظبط كما نقلته الديانات الابراهيمية فيما بعد!

ربما حدثت القصة إذن بشكل مختلف في العراق منذ حوالي ٥٠٠٠ عام في ظل الحضارة السومرية، بطل القصة هو ربما تاجر وزعيم احدى القرى يبني سفينة ليرسلها في تجارة له، ويتزامن ذلك مع وقت ارتفاع منسوب النهر الذي يتحول لفيضان، فلا يكون امامه هو ومن معه الا الصعود على ظهر المركب النهري الكبير الذي قام ببنائه، وبالفعل يحملهم المركب على ظهر المياه وينجو معظمهم من الغرق، وتسجل الاداب السومرية ذكرى الفيضان العظيم، القصة التي نقلها اليهود من العراق وتناقلتها الكتب المقدسة لاحقاً!

***

تتفق أو تختلف مع ما يطرحه الفيلم من خلال آراء العلماء والباحثين، تصفهم بالكفر ربما أو بأنهم ينتمون لمؤامرات صهيونية لهدم الإسلام، علماً ان القصة وردت أولا في التوراة وثانياً في الانجيل وأخيراً في القرآن! ليس المهم ما تعتقده بخصوص الفيلم الكافر الذي أنتجته الشبكة الفاسقة BBC، المهم أن الفيلم تم إنتاجه وعرضه ومناقشته ودراسة ما يطرحه، دون مظاهرات تحرق وتفجر وتندد "بالفيلم المسيء"، ولا بيانات تصدر من مؤسسات دينية منقرضة أصابها العفن والفساد كالأزهر، ولا محاولات للحجر على وجهة النظر التي يطرحها الفيلم مهما كانت.




الدراسات والكتب والمقالات والأفلام تبحث وتتسائل عن أكثر الموضوعات حساسية، عشرات الكتب تناولت قصة عيسى المسيح بالبحث والدراسة عن حقيقة وجوده تاريخياً! من دون أن يقوم مسيحيو العالم بالمظاهرات ومن دون أن يقوم الفاتيكان بإصدار بيانات حمقاء على شاكلة "تجسيد الأنبياء حرام". بالمناسبة الجملة الأخيرة هي خلاصة بيان الأزهر عن الفيلم السينمائي نوح الذي يتناول قصة "النبي نوح" كما وردت في الكتب المقدسة من دون تشكيك ولا بحث ولا أي شيء، وإنما مجرد تجسيد للقصة سينمائياً. لكن لأننا شعوب قاصرة فلابد للمشايخ من أن يمارسوا الوصاية على ما نرى وما لا يجوز أن نرى، فبينما جامعات العالم تنتج أول خلية حية مصنعة بالكامل، وأول قلب بشري مصنع بالكامل بتقنية النانو، تتخصص جامعة الأزهر في الوصاية على الكتب والأفلام، وتصدر البيانات حول فيلم نوح، وفي سياق موازي يقبع كرم صابر في السجن يواجه تهمة "ازدراء الأديان" بسبب رواية كتبها اعتبرتها المحكمة مسيئة للذات الإلهية، الذات الإلهية التي تحتاج أحكاماً قضائية لحمايتها !

على الذين يحاولون أن يمارسوا دور الوصاية على المجتمع أن يعلموا أننا نعيش عصر السماوات المفتوحة، عصر الانترنت الذي لا حدود له ولا مركز، عصر يتم فيه تداول كل أنواع الكتب والأفلام عبر الانترنت بالملايين يومياً، على هؤلاء الأوصياء أولاً أن يعملوا على تثقيف أنفسهم، وتنقية مصادر معلوماتهم، وغربلة كتب التراث التي يدرسونها لعقول الغلابة من المواطنين الذين لا يعلمون مافيها من سموم. مئات الأسئلة الفلسفية والوجودية بانتظارهم للإجابة عليهم، مئات التحديات الفكرية والعلمية عليهم أن يجتهدوا للإجابة عليها قبل أن يمارسوا دور الوصاية. وعلى الشعوب العربية أن تدرك أن من يرتدون العمائم ويجلسون على كراسي الإفتاء ليسوا علماء وإنما حفاظ، وأن العلم مفهوم مختلف تماماً عن الصم والحفظ والمنع والإفتاء.

العلم يطرح الأسئلة وهؤلاء يرتعدون منها، العلم يبحث عن الإجابات وهؤلاء يعتقدون بجهلهم أن لديهم كل الإجابات، العلم يخرج كل يوم بالجديد وهؤلاء يخرجون بصديد وقذارة ما في بطون الكتب من فتاوى النكاح والجماع والرضاع والحيض وزواج القاصرات وتعدد الزوجات ومعاشرة الجواري.

نحن في أمس الحاجة إلى أن ننبذ هؤلاء العالة الذين يتغذون على الجهل وقلة الحيلة وأن نفتح الأبواب للاختلاف والتساؤل والشك، علنا نخرج من حضيض الإجابات الجاهزة تحت عمامات ولحى رجال الدين منذ آلاف السنين.


------------
* رابط فيلم BBC الوثائقي "Noah's Arc"
http://www.youtube.com/watch?v=NZu3GXoKXU4
أكمل القراءة


تحدثت في تدوينتي الأخيرة عن إعجابي بتراتيل مسيحية بصوت السيدة فيروز..

وكأن هذا كان جرماً يستحق اللوم والعتاب، جاءتني كلمات من باب "إن الدين عند الله الإسلام"، وأعود فأكرر أن القرآن نسب الإسلام أصلاً للنبيّ إبراهيم "في قوله "وأنا أول المسلمين"، فالإسلام يعني دين التوحيد والسلام، مقاصده هي الحب والعدل والحق والحرية والتسامح، هذا هو الإسلام، وليس الدين محصوراُ في قرآن أو ركعات وسجدات بعينها، وإن كنا نؤمن أن الإسلام هو آخر الرسالات السماوية، إلا أن مقاصد الدين وروحه تعلو على مسمياته ومبانيه وليس التقرب إلى الله محصوراً في عباداتٍ أو كلماتٍ بعينها.

إن الله تعالى استخدم كل ما في الكون من فنون وإبداع للتواصل مع من يفهم ويعي، والكون مليء باللوحات الفنية والموسيقى التي تصدح بها السماوات ليل نهار، لمن ألقى السمع وهو شهيد، لكن فتاوى التحريم.. بدءاً من تحريم التصوير وحتى الموسيقى مروراً بتحريم كل ما هو جميل، هذه الفتاوى أصابت عقول الكثيرين بأمراض يستلزم الشفاء منها دهراً طويلاً، ونحن على الدرب سائرون !!

وتعقيباً على من تعجب من التراتيل المسيحية، وكيف يمكن للإنسان أن يدعو خالقه ويتقرب من روعة الوجود وسره بالموسيقى والفنون، فإني أهدي لكم اليوم موسيقى من أروع ما سمعت أذن البشر، موسيقى جمالٍ ومحبةٍ وسلامٍ، موسيقى السمفونيةالتاسعة لبيتهوفن.




إن من إبداع البشر ما يكاد يُلامس أطراف الكونِ في خشوعٍ وتأمل ودعاء..
إنها سيمفونية الفرح، أو ربما هي مزامير داود بُعثت لتسمعها أذن البشر من جديد..
وكأنها موسيقى إلهية تنساب في جمالٍ وعظمة، كأنها رسالة سماوية لكل البشر. نعم، فإن أي رسالة حبٍ وإخاءٍ هي رسالة من الله لخلقه، ولا تنقطع رسالات الخالق أبداً.

انتهى بيتهوفن من تأليف موسيقاها عام 1824 م، وبها تـُـغنّى بعضٌ من كلمات الشاعر الألماني شيللر، ومنها تم اختيار نشيد الاتحاد الأوربيّ الحالي تخليداً لكلمات وموسيقى عظيمة.

لو تأملت جيداً الكلمات، ستجد فيها صلاةً ودعاءً لكل البشر، ستجد فيها ما ضاع منا من قيم الدين، ما تم اختطافه، الحب والرحمة والسلام. ألم يقل الله عن يحيى "وحناناً من لدنا"، ألم يقل لموسى "وألقيتُ عليك محبة مني"، ألم يقل لمحمد "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"؟ أين هي المحبة والرحمة في خطابات الدعاة والمشايخ اليوم، وكأنها قيمٌ سُرقت فلا تُسمع إلا في كلمات الشعراء والفنانين وكأنها "رجسٌ من عمل الشيطان" أو كأنها تنتمي إلى عالم آخر!! هل وصلت نفوسنا إلى هذه الدرجة من الكراهية، فلا يتبادر إلى ذهنك عندما تستمع إلى كلمة "حب" إلا المعصية والذنب؟

هل سمعت يوماً عن عازف بيانو فجّر نفسه وسط الأبرياء؟ هل سمعت يوماً عن موسيقار طلب من معجبيه كراهية إنسان أو الاعتداء على آخر؟ لكن كم من مشايخنا الأجلاء ومن يقفون على المنابر كل جمعة يحشون آذان المستمعين بخطابات العنف والكراهية والطائفية العمياء؟ وهم في النهاية محسوبون على عقولهم المريضة وليسوا محسوبين على أيّ دينٍ كان.

أدعوك لقضاء وقتٍ ممتعٍ مع موسيقى بيتهوفن، وكلمات شيللر الرائعة، في دعاء محبة وسلام لكل البشر.

***



كلمات الشاعر شيللر (باللغة الألمانية)
ترجمة الكلمات بالعربية (بتصرف)
O Freunde, nicht diese Toene!

Sondern lasst uns angenehmere anstimmen und freundenvollere!
يا كل البشر الأخوة، اتركوا الأصوات الحزينة
ودعونا نرفع أصواتنا بأنغام السعادة والفرحة
Freude, schoener Goetterfunken,

Tochter aus Elysium,

Wir betreten feuertrunken,

Himmlische dein Heiligtum.

Deine Zauber binden wieder,

Was die Mode streng geteilt;
Alle Menschen werden Brueder,
Wo dein sanfter Fluegel weilt. 
أيها الفرح
يا صاحب الجمال البراق، إنك تجمعنا سوياً، وتجعل كل البشر أخوة
الفرح يصلح ما قطعته الأيام،
كل البشر يصبحون أخوة عندما تمر أجنحته الرقيقة
Wem der grosse Wurf gelungen,

Eines Freundes Freund zu sein,

Wer ein holdes Weib errungen,

Mische seine Jubel ein!

Ja - wer auch nur eine Seele

Sein nennt auf dem Erdenrund!
Und wer's nie gekonnt, der stehle
Weinend sich aus diesem Bund! 
إن الإنسان المحظوظ
هو الذي أصبح صديقاً لصديق
أو فاز بقلب امرأة جميلة تكون زوجته

إن البشر جميعاً يملكون روحاً واحدة
وإنسان بلا روح، يفشل في الاختبار
دعوه يخرج من حشدنا المحب
Freude trinken alle Wesen

An den Bruesten der Natur,

Alle Guten, alle Boesen

Folgen ihre Rosenspur.

Kuesse gab sie uns und Reben,

Einen Freund, geprueft im Tod,
Wollust ward dem Wurm gegeben,
Und der Cherub steht vor Gott. 
كل إنسان يشرب السعادة من الطبيعة ويرتوي منها

لقد منحتنا الطبيعة جميعاً الخير والحب والسعادة
غريزة البقاء وحب الحياة هي الهدية الجميلة

والملائكة تقف معنا مرسلة من عند الخالق
Froh, wie seine Sonnen fliegen

Durch das Himmels praecht'gen Plan,

Laufet, Brueder, eure Bahn,

Freudig wie ein Held zum Siegen. 
تسبح شموس فرحة
عبر السماوات بحسبان
فاركضوا الأيها الأخوة في سبيلكم
فرحين كأبطال منتصرين
Seid umschlungen, Millionen!

Diesen Kuss der ganzen Welt!

Brueder - ueberm Sternenzelt

Muss ein lieber Vater wohnen. 
أيها الملايين فلنحتضن بعضنا
ونرسل قبلة لكل العالم
أيها العالم..
خلف النجوم، هناك يعيش خالقٌ محب
Ihr stuerzt nieder, Millionen?

Ahnest du den Schoepfer, Welt?

Such ihn ueberm Sternenzelt,

Ueber Sternen muss er wohnen.
ايها البشر لا تيأسوا
أيها العالم هل تشعر بوجود الخالق؟
ابحثوا عنه في الآفاق
لأنه حقاً موجود



أكمل القراءة


عزيزي المسلم المتدين، هل تعتقد أنك وحدك المؤمن الموحّد في هذا الكون؟ وأنك وحدك القادر على التقرب لله تعالى؟ إذن ربما تكون هذه الكلمات غير مناسبة لك.

جلستُ أستمع إلى السيدة فيروز في إحدى الترانيم المسيحية الرائعة، وهي معروفةُ لدى المسيحيين باسم "عذراء يا أم الإله"، وجدت فيها روحانية لم أجدها إلا في القرآن وفي بعض التواشيح الإسلامية.

عذراء يا أم الإله يا طاهرة نقـــــــية
صلّي إلى ابنك الإله وحننيه علّيـــــا
أنتِ الميناء للخلاص وفرحُ البشرية
الأرفع من السماء اللامعة البهـــــية
لا تهمليني في الحياة أن أغرق في خطية
بل أدركيني في النجاة وتحنني عليا
أجثو لديكِ ضارعاً يا هيكل القدسية
نجيني يا عذراء من شروري الردية
صوت تضرعي اسمعي من نفسي الشقية
تقبلي مني النشيد واللحن ذا الشجيّ
ألح في التضرع فاقبليني نـــــــــجياً
واهديني من بعد الممات حياة أبدية
 افرحي يا عروساً لا عروس لهــــا


لكني وجدت من ينغص عليّ استمتاعي بالأنشودة المسيحية الرائعة، لأن فيها "شرك بالله"!! وأننا "المسلمون" لا يجب أن نستمع لهذا الشرك الصريح !! نزلتُ من السماء التي كنت أحلق فيها، لأجيب صديقي المتدين.

إن الله الخالق العظيم، وهو السر الأعظم في الكون، وفيه تجتمع قيم العدالة والحرية والخير والمحبة والسلام، الله في حياتنا وفي وعينا قيمة عظيمة وفكرة خالدة، منها تنبع كل قيم الخير، ولكي يدرك الإنسان هذا الخالق العظيم، فإن الأمر ليس محصوراً في دين بعينه، ولا في كلمات مقدسة بذاتها، إن الله يُدرك بفعل الخير والإحساس  بالناس والتأمل والتفكر، ومحاولة فهم الحياة وسر الوجود وغايته، كل هذا في حقيقته صلاةٌ شفافة راقية.

إن مقطوعة موسيقية لبيتهوفن تسمعها، أو أنشودة سلام ومحبة، أو تواشيح دينية، أو تأملات اليوجا الهندية، كل ما يغرس في قلبك قيم الخير والمحبة والسلام، ويزيد من إحساسك بالإنسان ومحبتك وعطفك على الغير، كلها تسابيح وصلوات في محراب الخلق والخالق. ولم تقتصر حكمة الإنسانية وسموّه على معبدٍ بعينة ولا على كلمات كتاب مقدس بذاته، وإنما على قدرة الإنسان على التسامي والتأمل، وبهذا يُدرك الله ويُعبد، لا بحركات الصلاة فقط ولا بكلمات القرآن أو غيره، فهي بدون وعي الإنسان تبقى مجرد حركات جسد ورسومات أحرف بحبر على ورق.

يؤمن المسيحيون بأن الله له ثلاث أقانيم أو ثلاث تجليات، وهي في جوهرها تمثل إيمان المسلمين بالله وملائكته ورسله بشكل أو بآخر، وتمثل تجلي الله تعالى في خلقه وفي ملائكته، وأن الله خلقنا وأبدعنا على صورة من صوره الجميلة كما ذهب بعض الصوفية، وكما هو وارد في الحديث عن أبي هريرة "خلق الله عز وجل آدم على صورته *".

ويا عزيزي المسلم المتدين، لماذا أوجعتك كلمات (يا أم الإله) و(صلي إلى ابنك الإله)؟ ألا تعلم أن القرآن مليء بالتصاوير الفنية والجمالية؟ وأنه لا ينبغي تفسير الكلمات بشكل حرفيّ مباشر، هل تعتقد أنك وحدك المؤمن الموحّد؟ قطعاً لا.. لكن لكل عقيدة إيمانها وطريقتها في تصور الله وسبل الوصول إليه، عندما يؤمن المسيحي بعقيدة التثليث فإنه يؤمن أيضاً بوحدة الإله، لكنه يعتقد أن الله تجلى بشكل أو بآخر في عبده عيسى، وهذا لا ينكره القرآن، ألم تتجلى صفات الإله الخالق في عيسى "أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فتكون طيراً بإذن الله. وأبريء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله **"، بلى قد تجلت صفات الخالق في النبيّ عيسى، ونفخ الله من روحه في مريم فكان، وبهذا يؤمن المسيحيون، ويؤمنون أننا جميعاً خلق الله وعياله؟ وفي ذلك كله تصورات ومقاربات لا ينبغي أن يحكم بها إنسان على عقيدة آخر.



ما أود أن أقوله هو أن ينفض المسلمون عن أنفسهم فكرة احتكار الحقيقة، واحتكار الإيمان والتوحيد، واحتكار الله بكل صوره، إن الخالق الحق ليس ملكاً لأحد، وليس حصراً على كتاب مقدس ولا على صلاة بعينها، وإنما يُدرك الله بالخير والمحبة والإحسان إلى الناس، وكل صور التسامي والتأمل، سواءً في أنشودة جميلة أو مقطوعة موسيقية أو حفلٍ خيريّ أو كتاب علم، في معبد أو في معمل أو في حديقة غنـّــاء، علينا كمسلمين أن نغير فكرة (مؤمن أو كافر)، وأن نفتح عقولنا وقلوبنا لتقبل واحتضان أي عقيدة تعمل على زرع الخير والمحبة والسلام في النفوس.

وأترككم مع كلمات ابن عربي تلخص الأمر كله..

لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُــــــورةٍ
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــانِ
وبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــــــبةُ طـائـــفٍ
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـــــتْ
ركـائـبهُ ، فالحبُّ ديـني وإيـمَـــــاني


هشام عبد الفتاح الأديب

------------------------------------------------------------------------------------------------
* رواه البخاري "الحديث 6227" ومسلم "الحديث 2841" عن أبي هريرة، ورواه مسلم مكرراً بلفظ آخر "الحديث 2612".
** آل عمران، الآية 49. وورد نفس المعنى في سورة المائدة الآية 110 بلفظ مختلف. وهي آيات تنسب من صفات الخالق التي منحها لعبده عيسى، ومنها صفات الخلق "تخلق من الطين" والتصوير "كهيئة الطير" ونفخ الروح "فتنفخ فيها" والشفاء "وتبريء الأكمه والأبرص" وإحياء الموتى "تخرج الموتى بإذني"، وهي من تجليات صفات الخالق على عبده ورسوله عيسى.
  

المسيح، عيسى ابن مريم، المسيحية، الشرك بالله، فيروز، عذراء يا أم الإله، تراتيل الجمعة العظيمة، الإيمان، الكفر، تجديد الفكر الديني، الفكر الإسلامي، جمال البنا، عدنان إبراهيم
أكمل القراءة


لا زلت أذكر واحدة من أروع كلمات الرائع الراحل د.مصطفى محمود، وهو يقول أن الماء الذي تستحم أنت به، قد تكون نفرتيتي أيضاً قد استحمت به منذ آلاف السنين!!


وهي معجزة من معجزات هذا الكوكب الرائع، أن الطاقة والمادة بداخله محفوظتان مستدامتان إلى حد بعيد، فالمادة لا تزيد أو تنقص داخل الغلاف الجوي للأرض، إن العناصر الغذائية والمعدنية داخل أجسادنا هي ذاتها جاءت من الأرض، من التربة، وإليها تعود، هذه العناصر بذاتها في أجسادنا كانت داخل جسم بقرة أو وردة أو صخرة في جبل، ثم ذابت وانصهرت في التربة، ثم دخلت إلى أجسادنا، وفي نهاية الرحلة تتحلل أجسادنا وتعود نفس هذه العناصر إلى الطبيعة من جديد. وهي دورة تحدث على الأرض منذ ملايين السنين.


حتى الهواء الذي تتنفسه هو بلا شك ناتج من تنفس شجرة هنا أو وردة هناك، ونحن نتبادل فيما بيننا وبين الغابات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون طوال الوقت.
الماء الذي تستحم به فعلاً هو ذاته الماء الموجود على الأرض منذ ملايين السنين، في البحر ثم إلى السحاب، ومن السحاب إلى المياه الجوفية، ثم إلى أجسامنا، ومنها إلى الأرض من جديد، ومنها إلى النباتات، وهكذا في دورة مستمرة.


إننا جزء من الطبيعة على هذا الكوكب، وأجسادنا ما هي إلا تراب من أرض هذا الكوكب الرائع، وهو ترابٌ مشترك كذلك مع كل أنواع الحياة. أجزاء من عظامك هي بذاتها كانت موجودةً في عظام أحد الغزلان البرية الرائعة منذ حقبة طويلة من الزمن، أو في لحاء شجرة، أو في صخرة من صخور جبال الألب العظيمة !!


كم هي حقيقة رائعة ومدهشة، لكنها في نفس الوقت تخبرنا عن وضعنا الحقيقي في العالم، أننا ذرة من ذرات الوجود، ولسنا سبب الوجود ولا محوره، شئنا أم أبينا.
لكننا نملك عقلاً حراً عظيماً هو جوهر ما في الجسد، نملك الإرادة والحرية لنستخدم هذا الجسد الترابي الأرضي في السنوات المعدودة المنتهية التي نحياها في دورة الحياة.


الفيلم الذي وضعته هنا، يلخص قصة الحياة على الأرض بشكل فنيّ رائع، كلمات مبهرة، وصور معجزة، وموسيقى تسحر الوجدان، هو فيلم أكثر من رائع عن نشأة كوكب الأرض وتنوع الحياة فيه.


ولنتعلم الكثير عن الكوكب الذي يأوينا وتاريخ وجودنا وحياتنا عليه.
إننا جزء من كل، إننا قصة قصيرة لكنها رائعة من قصص تنوع الحياة على كوكب الأرض، وكوكب الأرض ذاته ما هو إلا ذرة غبار في الكون الشاسع.


يمكنك أن تستمتع بهذا السحر الكونيّ، خلال ساعة ونصف، مع كوبٍ من الشاي، لتقضي رحلة مبهرة عبر الزمان والمكان.. ولا تنسَ أن كوب الشاي بيدك كانت ذرات الماء فيه تنهمر في شلالات نياجرا منذ زمن بعيد، أو أن إحدى الحسناوات على سطح الكوكب كانت تستحم بذرات الماء فيه في يومٍ من الأيام !!


كم هو رائع أن نتقبل الاختلاف والتنوع، وأن ندرك أننا ذرة من ذرات اللؤلؤ المنثور في هذا الكون، وأن علينا نشر المحبة والسلام بين البشر، بل بين جميع الكائنات، شركاءنا على كوكب الأرض.


تمنياتي بمشاهدة ممتعة.

كوكب الأرض، نفرتيتي، أصل الحياة، نشأة الكون، مصطفى محمود، هشام عبد الفتاح الأديب، مدونة العقلاني، الكون الشاسع، الكون الرائع، ريتشارد دوكينز، مشاهدة ممتعة.

أكمل القراءة